Page 2 موقفنا من انتخابات المجلس التأسيسي

 02/11/2011  
هل نجحت مجموعة التصدي لنداء مقاطعة الإنتخابات؟

مجموعة التصدي لنداء مقاطعة الإنتخابات والمتكونة من الحكومة وهيئة الإنتخابات والأحزاب والإعلام وأصحاب الأموال ما الذي حققته؟

في مثال بسيط، وبعيدا عن جميع أنواع الجدال المحتمل،  لغة الأرقام سوف تمكننا من الوقوف أمام  حقيقة ناصعة، وذلك بقطع النظر عن عدد الناخبين الذي هو 7569824 والعدد الضئيل للناخبين المقترعين الذي هو فقط 3702627 أي 48،91 % من جملة عدد الناخبين، وانطلاقا من ملاحظتين اثنتين وهما

أولا، عدد الناخبين هو 7569824 وعدد المسجلين إراديا هو 4123602 وهذا يعني أن عدد الغير مسجلين إراديا هو 3446222. وأمام هذا الكم الهائل لغير المسجلين إراديا اضطرت هيئة الإنتخابات لترك الباب مفتوحا للجميع للمشاركة في الإنتخابات. فهرعت الأحزاب والحكومة للوقوف مع هيئة الإنتخابات وذلك للتصدي لنداء مقاطعة الإنتخابات.  وأطلقوا على الغير مسجلين إراديا اسم "المسجلين آليا" والذي عددهم  3446222، وجندوا الإعلام لمحاولة اقناع هؤلاء للمشاركة في الإنتخابات. وهل نجحت "مجموعة التصدي لنداء مقاطعة الإنتخابات" ؟ لقد تمكنوا من اقناع فقط  496782، وهو عدد الناخبين المقترعين المسجلين آليا


ثانيا،  عدد المسجلين إراديا هو 4123602 بينما المشاركين منهم في الإنتخابات هو فقط 3205854 وهذا يعني تراجع 917748 من المسجلين إراديا. ما الذي جعل هؤلاء يتراجعون لولا نداء مقاطعة الإنتخابات؟

خلاصة القول : بين أيدينا عددين اثنين. العدد الأول وهو لصالح نداء مقاطعة الإنتخابات والذي هو عدد الذين انسحبوا بعد التسجيل الإرادي 917748، والعدد الثاني وهو  لصالح "مجموعة الأحزاب والحكومة والإعلام والمال" والذي هو عدد الناخبين المقترعين المسجلين آليا 496782 . وهكذا لغة الأرقام تبين لنا جليا خسارة هذه المجموعة ( 917748 ) والتي هي ضعف ما ربحته ( 496782 )..! وبدون تعليق يتجلى لنا فشل  "مجموعة الأحزاب والحكومة والإعلام والمال"  في مواجهة نداء مقاطعة الإنتخابات والذي لم يكن له أساسا سوى الفاسبوك لإيصال صوته. والجدير بالذكر أن جميع ما نشره عبد المجيد الزمزمي في الفاسبوك تبخر قبل الإنتخابات بأسبوع


  ومن ناحية أخرى تعطينا هذه الأرقام فكرة أدق على الوزن الحقيقي للإسلام في تونس، وذلك لأن أغلبية المقاطعين للإنتخابات هم من الإسلاميين، وهكذا تبرز
جليا  للجميع عظمة الإسلام في تونس، وبالتالي  يمكننا القول بأن وزن حزب  النهضة (كممثل رئيسي للإسلام في عملية الإنتخابات في أذهان ناخبيه) هو في الواقع أكبر مما تدل عليه نتائج الإنتخابات، وكذلك بالنسبة للأحزاب الأخرى التي قاطع أنصارها الإنتخابات...
(اقرأ المزيد في الصفحة رقم 3  "عبد المجيد الزمزمي  وراشد الغنوشي معلومات ووثائق تاريخية").



28/10/2011

ألف مبروك بفوز النهضة لتونس ولأبنائها 
 في انتخابات المجلس التأسيسي 

نذوب في النهضة بإيماننا كما تذوب هي في الإسلام
 
أملنا أن تذوب النهضة في الإسلام وأن لا تقع في حبال بيت العنكبوت الأمريكي

لم تزوّر الإنتخابات وهذا أمر عجيب و الأخطر من التزوير نسأل الله أن لا تنقلب النهضة مستقبلا على نفسها... وأملنا لمستقبل تونس وأبنائها أن تذوب النهضة في الإسلام المحمدي، وأن لا تقع في حبال بيت العنكبوت الأمريكي... وعندئذ وانطلاقا من واجبنا العبادي نذوب بدورنا في نهضة الصدق هذه بكل فخر وعزة... تماما مثلما هرعنا  سابقا لنجدتها من مظالم عهدي التضليل والقمع البورقيبي ومن خلفه الهارب بن علي... (اقرأ النص الكامل في الصفحة رقم 3). 

المطلوب لمنع التدخل الأجنبي
 

المطلوب لمنع التدخل الأجنبي هو:
1) وضع دستور وفق الشريعة الإسلامية. 
2) بداية المحاسبة العادلة والتطهير الجدي.
3) إعادة الحقوق وبرنمجة تعويضات عادلة لجميع المظلومين من يوسفيين ونقابيين وإسلاميين ويساريين وثوريين ولا سيما لأهالي الشهداء والمعاقين ومساجين فرنسا  المنسيين.
 
23/07/2011
أدلّة أوهام الإنتخابات
الدّيمقراطيّة المرفوضة والدّيمقراطيّة المفروضة
لا لأوهام الإنتخابات ! لا لمسيرة السّراب !  المطلوب أوّلا هو رحيل حكومة السبسي ثمّ بعد ذلك التّطهير الجدّيّ وإلّا فسيكون من الضّروري مقاطعة الإنتخابات قبل موعدها إذ لايعقل قبولها تحت إشراف حكومة السّبسي الكاذبة. مقاطعة الإنتخابات في هذه الظّروف هي واجب منطقيّ وواجب شرعيّ
وإلى من يهمّه الأمر أقدّم هاهنا دليلا ناصعا على خطورة مرحلة إنتخابات أكتوبر 2011، شهادة تاريخيّة لتجربة مماثلة ومرّة عاشتها تونس وذلك قبل 23 سنة.
كتاب "تونس في مواجهة التّضليل" الّذي صدرسنة 1989 هو بمثابة شهادة تاريخيّة حيّة على فشل "أبطال" مسيرة انتخابات 2011، "أبطال" مختلفة و لا سيّما رؤساء أحزاب محترمة  كانوا قد فشلوا سابقا فشلا ذريعا ومؤلما، و هاهم يظهروا علينا اليوم من جديد بنفس الأخطاء (في غياب التّطهير) و نفس الوعود (بناء الحقّ على أساس باطل).
أجل، مسرحيّة انتخابات 2011 هي إعادة مفضوحة لمهزلة "تغيير بن علي" في سنة 1987.
أجل، "أبطال" هذه المسرحيّة القديمة الجديدة هم أصحاب تهليل وتصفيق واستبشار عند ظهور "تغيير بن علي" والّذين توّجت مسيرتهم هذه بلدغة تاريخيّة مشهودة. وعلى ضوء المشهد السّياسيّ الحالي بإمكاننا إستنتاج خطورة مواقفهم الحاليّة، إذ بدأت معالم لدغة تاريخيّة ثانية تبرز جليّا في آفاق مسيرتهم نحوأوهام إنتخابات أكتوبر 2011.
هؤلاء كانوا جميعا صمّا لنداء كتاب عبد المجيد الزمزمي في سنة 1989، واليوم في 2011 يجدّدون تجاهلهم لنضال ومواقف عبد المجيد الزمزمي، لصالح جهات مفضوحة، و بوعي من البعض منهم، والذين هم غارقون في نفس الحسابات الحسبيّة الضيّقة واللّتي كانت نتيجتها اللّدغة التّاريخيّةالأولى...
ونقدّم هاهنا شهادة تاريخيّة متمثّلة في بعض الفقرات من الكتاب المذكور عسى أن يهدي اللّه بها الصّادقين اللّذين  يعرفون الرّجال بالحقّ وينبذون معرفة الحقّ بالرٌجال.
وسوف يجد القارئ خفايا مفهوم الديمقراطيّة الّتي يطبخها الأعداء لنا في جامعاتهم. كما سيجد القارئ انذارا صريحا أطلقه عبد المجيد الزمزمي في سنة 1989 ومفاده أنّ الديمقراطيّة المعهودة في الغرب هي ممنوعة على شعوبنا؛ وجاءت أحداث الجزائربعد بضع سنين مصدّقة لهذه الأطروحة، كما جاء أخيرا انتصار حماس في الإنتخابات مصدّقا لرفض أعدائنا للديمقراطيّة الحقيقيّة في بلداننا وفقا للأطروحة : "الدّيمقراطيّة المرفوضة والدّيمقراطيّة المفروضة"(*). فأمّا الإنتخابات المزعم انعقادها في تونس في أكتوبر 2011 فسوف يفهم القارئ مدى خطورتها خصوصا في غياب التّطهير الجدّي
ـ (*) وشهد شاهد من بيتها، إذ في 2011، وذلك بعد مرور 23 سنة، تأتي بفضل اللّه شهادة شومسكي الأمريكي  مدعّمة ومصدّقة لأطروحة : "الدّيمقراطيّة المرفوضة والدّيمقراطيّة المفروضة"، والّتي مفادها أنّ الديمقراطيّة المعهودة في الغرب هي ممنوعة على شعوبنا
http://www.kapitalis.com/fokus/62-national/5191-les-propheties-de-noam-chomsky-pour-la-tunisie-et-legypte.html
 

الدّيمقراطيّة المرفوضة والدّيمقراطيّة المفروضة

(من كتاب "تونس في مواجهة التّضليل"، دار الروضة، بيروت، 1989، مـوقـفـنـا مـن الـتـغـيـيـر )


تصريح مؤلم
         في 15 ماي 1988  وفي لقاء مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء أدلى الأستاذ راشد الغنّوشي بتصريح جاء فيه بالخصوص: 
        " أحسب أنّ إطلاق سراحي خطوة أخرى أقدم عليها السيّد الرئيس بن علي عن طريق إنجاز مشروع  التغيير والإنقاذ الوطني وذلك بعد ان تتابعت القرارات الهامّة التي أعادت إلى النفوس الأمل ...  ويكفي في هذا الصّدد التّذكير بما اتّخذ من سياسات على صعيد إعادة الإعتبار للهويّة العربيّة الإسلاميّة وللحرّيات الديمقراطية في البلاد ... إنّ ثقة  الإسلاميين في الله ثمّ في سيادة الرئيس عظيمة أن تكون هذه الخطوة الجديدة مفتاحا فعّالا لحلّ كلّ القضايا برمّتها. ولاقتحام المستقبل وخوض معركة التّنمية وامتلاك المصير.
        وإن أشكر الله سبحانه فإنّه لا يفوتني أن أدعو إلى حسن تفهّم الأوضاع الحرجة التي يمرّ بها وطننا العزيز و إلى حسن التعامل مع المنهج المتوخّى ... إنّنا ساندنا مشروع 7 نوفمبر منذ الأيّام الأولى لانطلاقته وكرّرنا في أكثر من مناسبة دعم وتجديد هذه المساندة، ولا نزال ندعم هذا المشروع وندعو إلى مساندته باعتباره مشروع إنقاذ وطني ومشروعا نهضويا ...
        إنّ مساندتنا ليست ظرفية بل مبدئية ذلك أنّنا نـحسب أنّ ما اتّخذ من الإجراءات لإعادة الإعتبار للإسلام المغترب ماضيا في وطنه يجعل المشروع كفيلا للالتفاف حوله وتعميقه" (١)  .

        وإثر هذا الحديث المريب والمؤلم، خيّرنا الصّمت واكتفينا بالتّدقيق في هذه القضية الخطيرة، امتثالا لأوامر الله سبحانه وتعالى. وأخيرا، وبعد عدّة أشهر من التّحليل، اتّضحت لنا الأمور، فوجدنا أنفسنا مضطرّين لاتّخاذ موقف.

        لقد أصبحت الأمور اليوم، وبعد مضي أربعة أشهر على استلام الحكومة الجديدة، التي يطلق عليها اسم " حكومة التغيير"، زمام الحكم في تونس واضحة كل الوضوح. هناك حدثان رئيسيان يتمثلان في خطاب الرئيس بن علي الذي ألقاه يوم 3 فيفري1988، وخطاب الوزير الأول السيد الهادي البكوش أمام مجلس النواب يوم 8 مارس1988، عند عرضه لمشروع تنقيح الدستور، سيمكناننا من تحديد طبيعة ونطاق " التغيير الذي حدث في يوم 7 نوفمبر1987 "، والوقوف على حدوده وحصره ووضع خطة عمل تؤدّي إلى حلّ سلمي للمشكلة، سنطلق عليها اسم النقاط الخمس مقترحين على جميع التّيّارات السياسية والفكرية والشعب التونسي بأسره العمل على تنفيذ هذه الخطة على جناح السرعة وإلاّ فالله وحده يعلم ما الذي ينتظر البلاد من ويلات ومآسي.
        
العلل والعلاجات
        إنّ الستار الذي كان يرتفع في تونس طوال ثلاثين عاما على مشهد لا يتغيّر، يمكن تلخيصه في عبارة واحدة هي " التّسبيح بحمد وبعبقرية وحكمة"  رجل يطلق عليه اسم "المجاهد الأكبر"، لا يزال منذ بزوغ فجر العهد الجديد الذي يدعى "عهد التغيير" يرتفع، هذا السّتار، ولكن على مشهد يبدو أنّ الصخب هو علّة وجوده الأولى، كما لو أنّ الضجيج وحده قد أصبح الهواء الذي يصبو إلى تنفّسه شعب على شفا الاختناق.
        لقد عاود الممثّلون، الذين كانوا يتحرّكون على مسرح الأمس، الظهور ولكن في زيّ أطبّاء نطاسيّين مهرة يتزاحمون قرب سرير تتمدّد عليه تونس التي أصبحت في نظرهم عليلة. وما المسؤول عن مرضها، في رأيهم دائما، إلاّ ذلك الرجل، الذين كانوا بالأمس يسبّحون بحمده وبعبقريّته  وبحكمته. فهذا المشهد إذا جديد قديم، ومن ثمّ نشأت الحاجة إلى التّطبيل نظرا لتعذّر سدّ الفراغ بغير تلك الطريقة.
        ما الذي اكتشفه هؤلاء الأطبّاء الحاذقين الذين ينبغي ألاّ ننسى أنّهم كانوا بالأمس، في معظمهم، عوامل المرض الرئيسية التي تنخر جسد تونسنا العزيزة الممزّق؟ وكيف شخّصوا الدّاء؟ .
-         إنّ تونس تشكو من مرض الرئاسة مدى الحياة .
-         إنّ تونس تشكو من الشلل الذي يصيب الوزير الأول، الذي يشغل وقته دائما، بدلا من ممارسة الحكم، بتحسين صورته عند العامة، لأنّ الدستور ينصّ على أنّه أيضا هو الخليفة عند شغور منصب رئيس الجمهورية، وعليه فإنّ همّه الوحيد هو أن يظل دائما مكتوف الأيدي، لا يتكلم ولا يفكر بجدّية حتّى لا يفوّت على نفسه فرصة اعتلاء "العرش " في المستقبل.
-         إنّ تونس تشكو من مرض الحزب الواحد.
        هذه هي إذن العلل الرئيسية الثلاث التي تعانيها البلاد، في نظر أولئك الأطبّاء، ولا بدّ من إيجاد علاج عاجل لها حتّى يكتسي " التغيير " في رأيهم كل أهمّيته.
ما هو العلاج المقترح؟
        فيما يتعلّق بالمرضين الأوّلين أشير " بإدخال تعديلات على بعض مواد من الدستور ". ولهذا الغرض صادق مجلس النّواب بالإجماع استنادا لما جاء في المادّة 73 من الدستور على مبدأ تحوير الدستور وتكوين لجنة للنظر في تنقيحه. وقد تمّ إعداد مشروع من طرف النظام الجديد يتمثّل أساسا فيما يلي:
-         أولا: إلغاء الرئاسة مدى الحياة، والعلاج المقترح يكون بانتخاب رئيس للجمهورية لمدّة خمسة  أعوام، والاكتفاء بإمكانية تجديد ترشّح رئيس الجمهورية مرّتين متتاليتين.
-         ثانيا: إلغاء خلافة الوزير الأول في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو  لاستقالة أو لعجز تام، والعلاج المقترح هو إسناد مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة إلى رئيس مجلس النواب، لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما، وأقصاه ستون يوما، يتمّ خلالها انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
        أمّا، فيما يتعلق بالمرض الثالث، مرض الحزب الواحد، فإنّ الحكومة المسمّاة حكومة التغيير تلوح لعلاجه ببلسم وحيد هو إعلاء راية الديمقراطية الإنتقائية التقييدية التي يحقّ في إطارها للتونسيين المقتنعين بأنّ " لا سياسة في الدين " وحدهم المشاركة في "بناء" البلاد، شريطة أن لا يتقيدوا بدستور البلاد فحسب، بل أن يعتبروه بخاصة " الهدف والمرجع" (١).

المبعدون
        إنّ الإدّعاء بأنّ الحزب الواحد هو أيضا مرض تعانيه تونس، ولعلاجه يوصف دواء يتمثّل في إقامة ديمقراطية يستبعد منها كل المواطنين التونسيين الذين لا يريدون، لأسباب جليّة أو لا يستطيعون، لإيمانهم بربّهم، اعتبار دستور عام 1956 مرآة يرون فيها أنفسهم، إنّما هذا يعني:
-         أولا وقبل كل شيء تأكيد أنّ الحكومة المزعومة حكومة التغيير ليست  سوى استمرار للنّظام السّابق، ولكنّها أعتى منه وأشدّ قوّة وأقدر على خدمة الدّوائر الأجنبيّة المستفيدة وأذنابها، هؤلاء هم صنّاع" الاستقلال" المزعوم بالأمس، وأولئك هم صنّاع "ديمقراطية" اليوم، وجهان لعملة واحدة: الاستعمار .
-         ويعني ثانيا تجاهل أنّ دستور عام 1956 ليس قرآنا منزّلا.
-         ويعني أخيرا ممارسة سلطان على العباد حرّمه الله سبحانه وتعالى على نفسه، إذ يقول الله جلّ وعلا في حديثه القدسيّ: ﴿ يا عبادي أنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا﴾.
        وهناك من يزعم أنّ أبواب الديمقراطية التي يلوّح بها ستظلّ موصدة أمام الإسلاميين، أي أمام المسلمين الذين يعملون جاهدين لإعادة العمل بالإسلام في جميع مناحي الحياة. والواقع أنّ المبعدين من هذا النوع من الديمقراطية هم كلهم من الوطنيين الذين لا يرون أنفسهم ممثلين في إطار الاستقلال المزعوم الذي يجب اعتباره، تاريخيّا، لاغيا وباطلا وهناك من الأسباب ما يؤيّد ذلك، ولا في دستور عام  1956 الذي جاء ثمرة لمهزلة الاستقلال تلك بغية إضفاء الشرعية على الاستقلال المزعوم من أجل ضمان مستقبل فترة ما بعد "الاستقلال"، بالدرجة الأولى، كما تشهد على ذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية و الاجتماعية ... التي تسود تونس المخدوعة، في الوقت الحاضر.
        إنّ المبعدين من نطاق الديمقراطية التي يلوّح بها هم باختصار، الملايين من الرجال والنساء الذين آمنوا بربّهم ولكنهم، في معظمهم، قد لاذوا بالصّمت، هم أناس تفرض عليهم ظلما وعسفا قوانين جائرة تجعلهم يديرون ظهورهم لشريعة الله، وينبذون كتاب الله وراءهم ظهريّا بل تجعلهم يعيشون غرباء في وطنهم. وبعبارة أخرى فإنّ الديمقراطية التي يلوّح بها لن تحظى بالدّعم الشّعبي مهما قيل، ومهما جرى، وعليه فإنّها ستكون أساسا معادية للإسلام والمسلمين. ولقد بيّنا في الفصول السابقة من هذا الكتاب أنّ البورقيبية هي أساسا حرب على الإسلام، وبناء على ذلك فإنّ الديمقراطية التي يلوّح بها حاليا، ليست سوى متابعة منطقية للخطة المفروضة على بورقيبة من قبل الأعداء الذين يجب الآن فضح مؤامراتهم.
 
الديمقراطية المفروضة
        إنّ هذا النمط من الديمقراطية قد وضعته في الواقع الجامعات الأمريكية في أواسط الخمسينات من هذا القرن، أي قبيل منح "الاستقلال" في كل اتّجاه وبكل سخاء وكرم لشعوب العالم الثالث البائسة، ثم تمّت دراسة هذا النمط دراسة شيطانية، وخطّط له بدقّة ودثّر بدثار نظرية علمية مزعومة تناول علم الاجتماع السّياسي واقتصاديات التّنمية، قبل أن يفرض على بلدان عديدة نالت "استقلالها" حديثا تحت اسم " مراحل التّنمية الخمس".
        وضع هذه النظرية التي يطلق عليها إسم "المراحل الخمس" المستشار السياسي لجون كينيدي، الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية. وهذا الرجل الذي يدعى "روستوف ROSTOW " وضع نظريته على غرار نظرية كارل ماركس غير أنّه دثّرها، لمجاراة أوضاع أخرى، بدثار الليبرالية وتلقّفها أساتذة آخرون أمثال "ميردال" و "آلمود" حتّى لا يترك شيء للصّدفة أبدا. وهذه النظرية كيّفتها المنظمات التي تسمّى منظمات دولية لفرضها على نـحو أنسب على شعوب العالم الثالث عامة، والشعوب الإسلامية خاصة.
        إنّ الأسباب التي دفعت بالأمريكيين إلى تبنّي هذه النظرية واضحة، فهم يريدون منافسة السوفيات على الميدان الجديد، ميدان العالم الثالث، الذي افتكّ من براثن الاستعمار، ويريدون أيضا إخضاع شعوبه بسرعة وبطريقة ماكرة أكثر فعالية ودواما، حيث تمتدّ السّيطرة إلى كل المجالات، وحالة العالم الإسلامي المأساوية في يومنا هذا خير دليل على ذلك .
         والواقع أنّ روستوف قد اختار لكتابه "مراحل النّمو الخمس" عنوانا فرعيّا يؤكّد لنا هذا الأمر وهو : " البيان اللاشيوعي". وبادّعائه أنّ نظريّته هي " حتمية تاريخية لشعوب العالم الثالث" فإنّه اعترف بأنّه يريد أن يدخل حلبة المنافسة مع كارل ماركس واعدا، على هذا النحو، بشنّ حرب أيديولوجية، يخوضها أتباع النظريتين، على ميدان يسمّى العالم الثالث: أتباع ماركس KARL MARX من جهة، وأتباع روستوف ROSTOW و آلمود ALMOUD و ميردال MYRDAL من جهة أخرى. والغرض من هذه المعركة الدّاخلية هو القضاء على روح شعوب هؤلاء الأتباع. وإنّ ما يحدث في تونس الآن لدليل ساطع على ذلك. ولنضرب مثلا على هذا: المقالات التي تنشر وشتّى العرائض التي تقدّم و السّموم التي تدسّ هنا وهناك في البيانات التي تلقى، وفي أعمدة الجرائد وجميعها يعادي الإسلام عداء صارخا، في حين تكمّم أفواه الوطنيّين الخلّص ويلحقهم الأذى ويداسون تحت الأقدام، ويزجّ بهم في غياهب السّجون والمعتقلات وتتحوّل البلاد إلى أرض تجوبها الذئاب والثّعالب وترتع فيها.
         وفي حين تسمّى"جنّة" أتباع ماركس: الشيوعية، يطلق على "جنّة" أتباع أمريكا إسم: الديمقراطيّة دون أن يبيّنوا أنّها ديمقراطية من "طراز كوكا كولا"(٤) ، وقد قرّر الأمريكيون منذ أربعين عاما أنّ هذا النوع من الديمقراطية هو آخر مرحلة في السّير على درب التنمية المزعومة، وهي مرحلة يبدو أنّ تونس قد بلغتها، إذا صدّقنا الضجيج والصّخب والتّطبيل والتّهليل لما يسمّى "بالتغيير" ، حيث إنّ التغيير لا يمكن إلاّ أن يكون انتقالا من المرحلة الرّابعة إلى المرحلة الخامسة حسب مخططات الأمريكيين.
        وفي حين أنّ الشرط الذي لا مغنى عنه  لدخول "جنّة" أتباع ماركس هو اجتثاث دين الله من جذوره والكفر به سبحانه وتعالى، فإنّ الشرط الذي يضعه أتباع الديمقراطية المزعومة ليستحقّوا الديمقراطية على طراز كوكاكولا، هو حصر دين الله وحبسه في المساجد التي تجرّد قبل ذلك من كل دلالاتها وكل ما تعنيه، حيث يقوم بالإشراف عليها وإدارة أمورها أعوان الدولة وأضرابهم. وفي حين كان أتباع ماركس "أمناء" في مجاهرتهم بالكفر بالله، فإنّ أتباع المتأمركين لا يفتئون، وهذا وجه الخطر الذي يشكلونه، يردّدون على مسمع من يريدون إسقاطهم في أحابيلهم بأنّ إيمانهم بالله راسخ لا يتزعزع. غير أنّه ما من مرّة تصطدم فيها ألاعيبهم بمقاومة الشعوب الإسلامية إلاّ وتزاحم مدّعو الإيمان هؤلاء وتدافعوا في محاولة، أقلّ ما يقال فيها إنّها مضحكة، للإعراب عن تمسّكهم بأهداف الإسلام. وهكذا عاد في تونس رفع الآذان في الإذاعة والتلفزة، ويجري التفكير بجدّية في إعادة فتح الكلية الزيتونيّة، كما أنّ الخطابات التي تلقى تبدأ بالبسملة، كما لو أنّ هذه الأمور غاية في ذاتها في الإسلام.
-         ماذا تقول عن رفع الآذان إلى الصّلاة في الإذاعة في بلاد تتناثر فيها هنا وهناك الخمّارات وعلب الليل، وتحكمها قوانين وضعيّة تتعارض تعارضا صارخا مع أحكام القرآن الكريم، وذلك في جميع مجالات الحياة، بما فيها المجال المالي الذي تتحرّك في إطاره البنوك ببنزين الرّبا؟.
-         ما هو المغزى من إعادة فتح الكلية الزيتونيّة في القريب في هذه الظروف التي أقلّ ما يقال فيها إنّها مربكة ومحيّرة، إلاّ أن يكون محاولة كبرى لإضفاء الشرعيّة على العداء السّافر للإسلام، وما جامعة الأزهر إلاّ خير دليل على ما نقول، وذلك في ما تضفيه من شرعيّة للحكام المتوالين خاصّة بمصر الكنانة؟
-         وماذا تقول عن الخطابات التي تفتتح بالبسملة في حين أنّها تحوي أشياء من قبيل: " إنّ قانون الأحوال الشخصيّة مكسب نتمسّك به وبه نلتزم، ونـحن نفخر به ونعتزّ به اعتزازا حقيقيا" (٥) ؟ وماذا تقول عن الخطابات والمشاريع المقترحة كمشروع قانون الأحزاب وقانون المساجد، التي تحمل شعار "لا سياسة في الدين" ويشحذ أصحابها السّكاكين للفتك بكل من تحدّثه نفسه بمخالفته؟ .
        إن ّ مجرّد مطالعة قانون الأحزاب تكفي لوضع الإصبع على حقيقة حكومة "التغيير"، إذ ينصّ الفصل الثالث: "على أنّه لا يجوز لأي حزب أن يستند في مستوى مبادئه أو أهدافه أو نشاطه أو برامجه على دين أو لغة ..." ، وأصحاب هذا القانون الجديد يرفعون في نفس الوقت وبدون خجل شعار الديمقراطية، وغاب عنهم أنّ الديمقراطية بريئة من أمثال هذه الإستثناآت، والدليل على ذلك العديد من الأحزاب المسمّاة "ديمقراطية مسيحية" وما يشابه ذلك في الغرب، ولنا رجوع لمسألة الديمقراطية.
        زد على ذلك ما يسمّى بقانون المساجد الذي وضعته مؤخرا حكومة "التغيير" والذي ينصّ بكل وقاحة: "أنّه لا يجوز مباشرة أي نشاط في المساجد من غير الهيئة المكلّفة بتسييرها (هيئة حكومية)، سواء كان بالخطبة، أو بالاجتماع، أو بالكتابة إلاّ بعد ترخيص من الوزير الأول" .
        وحكومة التغيير صاحبة هذه القوانين ترفع في نفس الوقت وبدون حياء شعار "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" ، أي لا سياسة في الدين، بينما يتعدّون تعديا صارخا على مساجد الله سبحانه وتعالى بوضعهم قوانين تحاصر نشاط بيوت الله، حتى من الداخل الشيء الذي لم يفعله أسيادهم في الغرب مع الكنائس التي فرض وطبق عليها هذا الشعار. بعبارة أخرى أصبحت حرية العبادة في المساجد مقيدة تقييدا لا مثيل له في الكنائس. تبت يداك يا دولة القانون المزيّف يا من تريدين جعل تونس "حمّالة الحطب" .
        إنّك بمطالعة هذه القوانين لا تحتاج إلى أن تكون فقيها ، بل إنّ كل مؤمن يستطيع أن يلمس فيها مدى التعدّي على حدود الله. والله سبحانه يقول:
﴿ أَفَتُؤمِنونَ بِبَعضِ الكِتٰبِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ ۚ فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذٰلِكَ مِنكُم إِلّا خِزىٌ فِى الحَيوٰةِ الدُّنيا ۖ وَيَومَ القِيٰمَةِ يُرَدّونَ إِلىٰ أَشَدِّ العَذابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغٰفِلٍ عَمّا تَعمَلونَ  *
         وفيما يتعلّق بشعار "لا سياسة في الدين" الذي يختار من أجله رجال عديدون اختيارا دقيقا قبل رفعهم ليس إلى سدّة الحكم فحسب، ولكن أيضا في المناصب الرئيسة في جميع مناحي الحياة، ولا سيّما مناصب تدريس ما يسمّى بالعلوم الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية والنفسيّة، وخصوصا التاريخيّة في جامعاتنا، فقد ردّ الكاتب الإسلامي الكبير العلاّمة أبو الأعلى المودودي على هؤلاء ردّا حاسما قائلا: " رجاء أن ينقشع بذلك هذا الظلام الفكري الضارب أطنابه على المجتمع وتلجم أفواه من أعلنوا سفها أنّ الإسلام ما جاء للمجتمع الإنساني بنظام اجتماعي ولا سياسي  أصلا (٦)  .
الخدعة
        في المجال الاقتصادي سمّى روستوف ROSTOW مرحلته الأولى: " المجتمع التقليدي" (La société traditionnelle ) ، في حين أكّدها كل من ميردال MYRDAL وآلمود ALMOUD في المجالين الاجتماعي والسّياسي، وذلك يعني الانطلاق من الواقع القائم، وهو أربعة عشر قرنا من الإسلام، حيث تتمثّل مهمّة المراحل الثلاث التالية في محو الإسلام من حياة الشعوب الإسلامية، ومسخه في أفكارهم وحبسه في المساجد، نظرا لتعذّر القضاء عليه، بوضعه تحت المراقبة الدّائمة، والإشراف على توجيه، ومذهبة الأئمة، ومدرّسي التربية التي يطلق عليها اسم التربية الدينية.
        والمرحلة الثانية في رأي روستوف هي"مرحلة الإعداد للانطلاقة" أو  "الإقلاع" ( Préparation au décollage ) ، وهي في عرف ميردال و آلمود " مرحلة الدّولة الوطنية" ( Etat- Nation )، وهي المرحلة التي يتمّ فيها تعديل المؤسّسات و " فبركة" القوانين وشتى المدوّنات لتحلّ محلّ الشريعة الإلهية، وما دستور عام 1956 وقانون الأحوال الشخصيّة التونسيين إلاّ ركيزتان رئيسيّتان " لدين" جديد، هو التّنمية. والواقع إنّ الأمر لا يتعلق "بدين" جديد بل بالأحرى بمحاولة، يبدو أنّها ناجحة ، لبعث الرّوح في المذهب الوضعيّ الذي جاء به أوغست كونت ( Auguste Comte ) الذي خلع عليه هو ذاته، في غطرسة وعنجهية، صفة " دين الإنسانية"  ( Religion de l’humanité ).
        وما ممارسة التنمية، على الطريقة الأمريكية  المفروضة علينا بواسطة الشّعارات البرّاقة وبالنار والحديد، في الواقع سوى وضع "دين كونت" موضع التطبيق العمليّ والذي جاءت نظريات التنمية تبث فيه الحياة. ولمّا كانت مسيرة الحياة في هذا "الدين" تنقسم إلى خمس مراحل فإنّه لا يسمح البتّة بالنكوص إلى "الوراء". وحيث إنّ، حسب ظنّهم، قد قبر الإسلام في المرحلة الأولى، فإنّ "إله الدين الجديد: أمريكا" يقظ ويسيطر على الموقف، ولذا لا يسمح إلاّ بالسّير" قدما" على الطريق التي رسمتها الجامعات الأمريكية. وعليه فإنّنا نستطيع الآن أن نفهم أكثر لماذا أعلن الرئيس التونسي بن علي، في معرض الحديث عن مجلة الأحوال الشخصية، قائلا: " إنّها مكسب نتمسّك به ونشعر أنّنا ملتزمون به"، وفاته بالطبع أن يوضّح كيف أنّه يلتزم به وإزاء من وإزاء ماذا؟ على أيّة حال فالتزامه ليس حيال الله وقرآن الله الذي تعدّى عليه، على سبيل المثال لا الحصر، بتبنّيه قانون ما يسمّى بمجلة الأحوال الشخصيّة، ووضعه لقانون المساجد.
        أمّا المرحلة الثالثة بالنسبة لروستوف  فتسمّى "الإقلاع" أو "الانطلاقة" ( Décollage) ، في حين يسمّيها آلمود " مرحلة الدولة المركزية" ( Etat- Centralisateur ) ، ويسمّيها ميردال "مرحلة الدولة العاتية" (Etat-Dur-Hard state ) ويرى هؤلاء "الأنبياء" الثلاثة أنّ عهود الإسلام التي تقدّر بأربعة عشر قرنا هي عهود " راكدة سكونيّة" (Statique) ، وعليه بمجرّد الانتهاء من الإعداد ( إحلال العلم والنّشيد الوطني وشعار الجمهوريّة والقوانين الوضعيّة والمدوّنات على اختلاف أنواعها وما إلى ذلك محلّ الرّموز الإسلامية) ، فإنّ المرحلة التي تتلو ذلك هي الانطلاقة أو الإقلاع.
      وحيث أنّ وزن أربعة عشر قرنا من الإسلام هو، في رأي هؤلاء "الأنبياء الجدد"، وزن هائل، كان لا بدّ من الاستمرار في بناء دولة أقوى ، ومن ثمّ تسميتها "بالدولة المركزيّة". والمقصود بهذا هو تجميع كلّ مصادر السّلطة والإمساك بجميع خيوط اللّعبة بفاعلية وعدم تقديم أيّة تنازلات. وماذا نصنع بالله سبحانه وتعالى وبدينه الذي ارتضى لعباده؟ . ليزجّ به (تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا) في السّجن أي ليحبس في المساجد، باستخدام القوّة إذا لزم الأمر، وذلك تفسير عبارة "الدولة العاتية". وباختصار، المقصود هو كتم أنفاس الإسلام بوصفه مصدرا للتّشريع والسّلطة التنفيذية. وهكذا نفهم، أكثر ، معنى اعتقال الإسلاميين الشرفاء ومن بينهم الأستاذ راشد الغنّوشي. وبعبارة أخرى يقال لنا إنّه ليس هناك مكان مخصّص للمسلمين الخلّص، حيث إنّ ذلك يقتضيه الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
        إنّ عدم تكميم أفواه المسلمين الأطهار، وعدم إيذائهم وعدم اعتقالهم، بل حتّى عدم القضاء عليهم، يعني الاعتراف بفشل المسيرة التي خطط لها الأمريكيون وفرضوها على عدد لا يحصى من البلدان التي يزعم أنّها نالت استقلالها. هذا هو المنطق الذي يحكم هؤلاء النّاس، إذ هو عبارة عن تعصّب بغيض وحزبيّة حمقاء يسمّونها "تقدّما" ( Progrès)
        والمرحلة الرابعة، في رأي روستوف، هي "مرحلة المسيرة نـحو النضج" (Marche vers la maturité ou maturation ) ، أمّا ميردال وآلمود فيسمّيانها "مرحلة تكوين المواطن" (citoyen Formation du ). فهي المرحلة التي تعبر بنا إلى " جنّة ديمقراطية كوكاكولا " . غير أنّنا لنستحق هذه الديمقراطية لا بدّ، قبل ذلك، من أن نترك أدمغتنا تغسل، ونجعل الولايات المتحدة الأمريكية قبلة أرواحنا ووجوهنا، وأن نملأ أفئدتنا بالإيمان بالدّستور والعلم والوطن وشعار الجمهورية، وهي رموز فقدت طبيعتها وأصبحت تعني، في حقيقة الأمر والواقع، كراهية الوطن الحرّ وحبّ الوطن تحت رعاية أمريكا.
            وفي نهاية المطاف تأتي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة "الجنّة" الموعودة التي يسمّيها ألمود و ميردال، في المجالات الاجتماعية والسياسية، "الديمقراطية"، بينما يسمّيها روستوف على الصعيد الاقتصادي "عهد الاستهلاك على نطاق واسع" (Age de la grande Consommation de masse ) ، والتي هي في الواقع: عهد الهلاك.
        إنّ الطريقة  التي تحقّقت بها "نبوءة" روستوف تذكرنا "بنبوءة" كارل ماركس. فقد تكهّن هذا الأخير بتحقق الرأسمالية لشعوب الأرض قاطبة يتلوها، على نـحو تلقائي وبسرعة كبرى، تحقيق الشيوعية بوصفها "آخر مرحلة من مراحل تطوّر الإنسانيّة". وادّعى أنّها قانون عام من قوانين التطوّر وحتمية تاريخه. غير أنّ البلدان التي بادرت في الأخذ بالنظام الرأسمالي (بريطانيا العظمى وفرنسا ) لا تزال رأسمالية.  بينما رأى الشّعبان الرّوسي والصّيني، اللّذان لم يعرفا الرأسمالية قط، الشيوعية تفرض عليهما قسرا وقهرا. وهكذا فإنّ التطوّر الذي يقول به ماركس قد كذّب مرّتين: المرّة الأولى في الانتقال الزّمني من مرحلة إلى أخرى، والثانية في الطريقة التي ظهرت بها الشيوعية في الاتحاد السوفياتي وفي الصّين: مذبحتان عظيمتان لتحقيق "جنّة أرضيّة" تثير الضّحك. وما لم يكن هناك حياة شيوعية في الدار الآخرة، فلنسلّم بأنّ هذا النوع من التطوّر هو، وذلك أقلّ ما يقال فيه، من قبيل المهازل بل أنّه مهزلة مأساوية، حيث إنّ الجحيم كان في نهاية الطريق.
        وتنبّأ روستوف بدوره بحلول "عهد الاستهلاك العظيم على نطاق واسع"، وهو عهد يهلّ على عالم ثالث هو الآن، وبعد مضيّ أربعين عاما من السّير في طريق "الدّين" المصنوع في أمريكا ، على شفا المجاعة وهو يعاني من الدّيون التي أثقلته عن طريق حيلة شيطانية تسمّى " خدمة الدين " وهي محرّمة، بحقّ، بصريح القرآن. وذلك يعني أنّ "عهد الاستهلاك العظيم ... " ، ذلك الفردوس الموعود قد تحقّق في صورة جحيم على وجه الأرض. ومن ثمّ التّشابه من حيث الآثار بين نبوءتي ماركس و روستوف.
        أمّا آلمود وميردال فقد تنبّآ بدورهما بحلول عهد الديمقراطية، ولكي يتحقّق ذلك في تونس اضطرّ أتباع هذا المذهب إلى ملء السّجون بعباد الله، وما ذلك إلاّ بداية، و أوّل القطر بلالة ثمّ ينهمر، حيث تلوح في الأفق سحب الدّم الدّاكنة، التي تدفعها رياح قانون الأحزاب وقانون المساجد، وشعار " لا سياسة في الدين " دفعا، وندعو الله جلّ وعلا أن ينصر عباده المستضعفين. ولا فائدة من أن نبيّن أنّ هذا النوع من الديمقراطية لم يفلح في أيّ مكان من بلاد الإسلام، ولن يفلح أبدا لأنّ ديمقراطية كوكا كولا هي أساسا مذهب يعادي الإسلام عداء مبينا. ولذلك فإنّ أتباعها مقضيّ عليهم بإغراق البلاد بوعود مبهمة يتعذّر تحقيقها، يتبعها تزوير الانتخابات على نـحو فاضح أكثر فأكثر بين انتخاب و آخر، أو الالتجاء إلى وضع، وفرض المزيد من القوانين للحدّ من حرّية الشّعب، والتي هي بمثابة السّلاسل لاستبعاد من نوع جديد. ولن يبقى للشّعب، أحبّ أم كره، سوى قبول السّير في الطريق الذي سطّر له وفرض عليه. تلك هي حتمية ديمقراطية كوكا كولا. وبعبارات أخرى، فإنّ الدول السائرة في الفلك الأمريكي ليس لها خيار سوى التحوّل تدريجيّا إلى آلة جهنّمية أوتوماتيكية لصنع القوانين حسب الطلب، أي السلاسل العصرية للاستبعاد لتكبيل الشعب، كما هو الحال من سنين في مصر التي تتبعها تونس " التغيير" بخطى حثيثة، وبذلك يتأكّد لنا من جديد أنّ "الفراديس  الأرضية " الموعودة ليست سوى حياة شقاء وجحيم.
        وعلى الرّغم من الفوارق الأيديولوجية، بين الماركسية والديمقراطية، فإنّ كلّ هذه النبوءات انتهت إلى نفس نقطة الالتقاء التي تسمّى، الجحيم الدّنيوي، الذي يعيشه المستضعفون في الأرض. وما الفارق بينهما سوى في المنهجيّات المتّبعة، أي في طريقة السّير نـحو نقطة الالتقاء الجهنّميّة ذاتها. إذا فالطرق المتّبعة هي وحدها التي تختلف، في حين أنّ نقطة الوصول واحدة، كما بيّنا، وكذلك نقطة الانطلاق، كما سنبيّن الآن، وتعدّدت الأسباب والموت واحد. ولنبيّن كيف أنّ نقطة الانطلاق هي كذلك واحدة.
        إنّ مرحلة التطوّر الأولى عند كارل ماركس هي "الشيوعية البدائية" تتبعها ثلاث مراحل هي: " العبودية، الإقطاع، الرأسمالية". والمرحلة الأخيرة إنّما هي محاولة يائسة للرّجوع إلى الوراء، إلى ما يزعم أنّه "التقدّم" و "التطوّر "، حيث إنّ هذه المرحلة يطلق عليها اسم : " الشيوعية ". لماذا هذا الاسم؟ .
        إنّ الماركسيين، وهم يجاهرون بكفرهم بالله، ويعتقدون أنّ الأديان ليست غير اختلاق تفتق عنه ذهن الإنسان، لم يجدوا بكل منطقية شيئا أفضل إلاّ النّكوص والرّجوع أدراج التاريخ لتجاوز الأديان المعروفة بغية استعادة " الجنّة البدائية " ،  حيث إنّهم يرون أنّ تلك الحياة الفطرية البدائية كانت بغير إله ولا دين، وبالتالي فقد كانت " كـاملة "، وعليه يتعيّن خلقها من جديد، ومن ثمّ يتمّ تحقيق الشيــوعية المـوعـودة  للجنس البشري بـوصفها المـرحلة الأخــيرة. والماركسيون يعتبرون أنّ آدم عليه السلام، الإنسان الأول والنبي الأول، ولم يكن له وجود البتّة حيث إنّ الجدّ الأعلى لكل البشر ليس في نظرهم سوى قرد حوّلته الصدف والطبيعة تدريجيّا فأصبح إنسانا. وليس اختيارهم للقرد كجدّ أعلى للبشر إلاّ أمرا رديئا يثير الضحك. وإلاّ كيف يمكن تفسير وجود سلالة القرد في أيامنا هذه جنبا إلى جنب مع الإنسان ؟ فلنسلّم إذا بأنّ أيديولوجيتهم لها أدلّة وبراهين لا طاقة للعقل بفهمها ! ومن جهة أخرى أين يحدّدون منشأ " شيوعيتهم البدائية " ؟ عند أيّ نوع من القرود، فليشرحوا لنا ذلك ويشرحوا لنا لماذا  حدث ذلك وكيف ... ؟ .
        وبعد كلّ هذا فإنّ الماركسيين لهم الفضل، على أيّة حال، في توضيح مقاصدهم . وعلى النّقيض منهم فإنّ الديمقراطيين على طراز كوكا كولا الممتلئين نفاقا ومراء قد حاولوا ،  عن طريق استدلال خفيّ ولكنّه مشابه ، محاولات يائسة أن يرسّخوا أيديولوجيتهم في مكان ما في نقاط اختيرت بدقّة في أغوار التاريخ . وهكذا وبمراجعة أدراجهم عبر التاريخ قبل أربعة عشر قرنا من الإسلام  أخرجوا لكل شعب من الشّعوب مرتكزه وموئله في التاريخ ، وكشفوا له " ديمقراطيته البدائية " ، وفردوسه المفقود . فالإيرانيون وجدوا لهم عصر ملوك فارس ، والمصريون نقّبوا لهم عن الفراعنة، والعراقيون عن عصور بابل ، وشعوب شبه الجزيرة العربية عن مملكة سبأ ، والتونسيون عهد قرطاجنة وحنّبعل ، الخ ... كثير من النقاط التي خلقوها بحيل شيطانية في بلاد الإسلام وعملوا على تركيز مفاهيمها في العقول ، عن طريق نظريّات علمية مزعومة وتزييف التاريخ من أجل استقطاب كل الشعوب نـحو بلوغ ديمقراطية كوكا كولا. وهذه مسيرة تدعمها وسائل الإعلام تحرّكها الأكاذيب وتزييف الحقائق بشأن الإسلام . وإذا فكّرنا في أنّ هذا النوع من الإعلام هو التاريخ الذي سيدرّس في المستقبل، وهو يكتب الآن أوّلا بأوّل، أدركنا بشكل أفضل الطريقة التي يتمّ بها تفسير وتدريس تاريخ الأمس وتاريخ القرون الخالية.
        ولنعد الآن إلى الديمقراطية المفروضة، ديمقراطية كـوكـا كـولا هذه، التي تضرّ في المقام الأول بالمثل التي تقوم عليها الديمقراطية المعهودة في الغرب . وعلى هذا الأساس فإنّنا نهيب بالديمقراطيين الخلص وبالوطنيين الصّادقين أن ينبذوا أعداء الشعب، خدّام واشنطن وباريس وغيرها من العواصم المعادية للإسلام والمسلمين، هؤلاء الأعداء الذين يتزاحمون ويتسابقون ، كما لو كانوا في سوق ، على بضاعة يبيعونها ، لا تعدو أن تكون مستقبل أولادنا وفلذات أكبادنا . إنّنا نمدّ أيدينا إلى جميع الوطنيين الصّادقين لتكوين جبهة ترتكز على النقاط الخمس في مواجهة أعداء الشعب 

أعمال جنود " فرعون "
        فعلى المستويين: الفردي والجماعي، العبرة واحدة، لا مكان للتّراجع، ولا مبرّر له.
        فما الذي يجري في تونس حاليّا ؟ وما هي مبرّرات التّراجع ؟ إنّ فرعون تونس، بورقيبة، قد أهلكه الله ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية، ولكن هل يعني ذلك أنّ الباطل قد زهق ؟ ألم يعلّمنا القرآن الكريم بأنّ فرعون كان له جنود ، وأنّ فرعون كان له هامان (وزيره الكبير أو بمفهومنا الحالي وزيره الأول)؟ .
        أما كان يقول الغنّوشي في الماضي: " إنّ استقلال تونس وهميّ وواجبنا  هو تحرير بلدنا والعالم الإسلامي و ... " ؟ .
        فما الذي جرى يا ترى ؟ هل حرّرنا بلادنا؟ متى كان ذلك وكيف ؟.
        كيف يمكن اعتبار تونس قد تحرّرت ؟ والحال أنّ :
Ø     أولا : يتربّع جنود بورقيبة على كراسيّ الحكم في البلاد
Ø     ثانيا : تبنّى جنود بورقيبة، دستور 1956 ، مع الاكتفاء بتحوير الفصول المتعلّقة بكيفية إدارة البلاد من طرف الرئيس بهدف تقوية نفوذه.
Ø     ثالثا : تبنّى جنود بورقيبة ، ما يسمّى ب "الأحوال الشّخصية" والذي وضع أساسا كبداية لاجتثاث جذور الشريعة الإسلامية في ربوع البلاد.
Ø     رابعا : وضع جنود بورقيبة قانونا اسمه " قانون المساجد " وآخر اسمه " قانون الأحزاب " وفقا للرؤية الأمريكية للإسلام، والمفروضة على شعوب كثيرة في عالمنا الإسلامي، والتي هي رؤية قديمة جديدة تمّ بموجبها، على سبيل المثال لا الحصر، إحراق المؤمنين في قصّة أصحاب الأخدود. إذ ما كان ذنبهم إلاّ الإيمان بالله الذي له ملك السماوات والأرض:
         ﴿وَما نَقَموا مِنهُم إِلّا أَن يُؤمِنوا بِاللَّهِ العَزيزِ الحَميدِ * الَّذى لَهُ مُلكُ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضِ ۚ وَاللَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ *﴾( سورة البروج :الآيتان ٨ – ٩ ).
        وبعبارات أخرى، لو اكتفى المؤمنون بالإيمان بإله له ملك السماوات فقط، لما أحرقوهم. فسبب إحراقهم يكمن في كلمة و "الأرض"، إذ إنّ جبابرة كلّ العصور لم ينهضوا للتصدّي للمؤمنين إلاّ طمعا في اقتطاع الأرض من الملك الإلهي.
        وذاك هو أساس تفكير أمريكا والغرب منذ قرون: " ما لقيصر لقيصر، وما لله، لله ". هذا التفكير هو الذي أنجب شعارات، " لا سياسة في الدين" . ويعني حسب تصوّرهم: " اعبدوا ربّكم الذي هو في السماء، ونـحن نبارك لكم إيمانكم هذا، بشرط أن لا تتدخلوا في شؤون الحياة الدّنيا، فملك الأرض للجبابرة ، والويل كل الويل لمن يتصدّى لهذا المفهوم " .
        ونـحن إذ نبيّن بأنّ قانون المساجد لبن علي هو تجسيد  لهذا المفهوم القديم الجديد للإسلام، نؤكّد على أنّ الأمّة الإسلامية، تمرّ اليوم بمرحلة خطيرة جدّا وهي مرحلة مواجهة الإسلام المحمّدي باسم الإسلام الأمريكي.
        "إسلام" ، تريد أن تفرضه أمريكا علينا فرضا، "إسلام" ربّه له ملك السّماوات و الأرض فقط ، وأركانه شهادة تكتفي الألسن بتلويكها كالعلكة CHEWING-GUM ، ليلا نهارا وصلاته حركات بهلوانية  في مساجد حوّلوها ضررا، وصومه رياضة بدنيّة وعادة تقليديّة، وزكاته إمّا ذكرى تاريخيّة أو جمع للأموال لملء جيوب وعّاظ السّلاطين، وحجّه جولة سياحيّة وتجاريّة لاقتناء ساعات أو ميغل وسيتيزان و ... "إسلام " يعطي لمعتنقيه صفة  " الإعتدال " و "التمدّن" والرّضا التّام من طرف أمريكا وأذنابها. والله ينبّهنا في قوله تعالى :
       ﴿ وَلَن تَرضىٰ عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصٰرىٰ حَتّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم*﴾ ( سورة البقرة: الآية ١٢٠﴾  .
        "قانون المساجد" لبن علي هو تجسيد واضح لمفهوم آية قرآنية مباركة، حيث تشير هذه الآية إلى إمكانية وجود نوعين من المساجد في الإسلام: مساجد أسّست للتّقوى ، ومساجد ضررا وكفرا.
      ﴿ وَالَّذينَ اتَّخَذوا مَسجِدًا ضِرارًا وَكُفرًا وَتَفريقًا بَينَ المُؤمِنينَ وَإِرصادًا لِمَن حارَبَ اللَّهَ وَرَسولَهُ مِن قَبلُ ۚ وَلَيَحلِفُنَّ إِن أَرَدنا إِلَّا الحُسنىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكٰذِبونَ *﴾ ( سورة التوبة : الآية ١٠٧ ) .
        وهذه الآية توضّح لنا جليّا دور هذا النوع الثاني من المساجد،  (مساجد ضرار) . إذ يتلخّص دورها في ثلاثة أمور:
الدّور الأول : للكفر بالله.
الدّور الثاني: للتفريق بين المؤمنين، انتبهوا ! للتفريق بين المؤمنين وليس بين  المسلمين، أي للتّفريق بين أصحاب الإيمان، الذين يتطلّعون للجهاد وفقا لأوامر الله، فيكون دور هذه المساجد محاولة التّفرقة بينهم بتشويه الرّؤية الصحيحة عند البعض لينقلبوا سيوفا على أعناق المؤمنين الآخرين.
الدّور الثالث : لهذه المساجد: " إرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل". ويعني الإرصاد، في عصرنا هذا، التّجسّس على المؤمنين الصّادقين لصالح أمريكا والصهيونية وأذنابها. والملفت للانتباه، أنّه بالرّغم من عملهم الشّنيع هذا يوضّح لنا الله تعالى:
﴿ وَلَيَحلِفُنَّ إِن أَرَدنا إِلَّا الحُسنىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكٰذِبونَ *﴾ ( سورة التوبة: الآية ١٠٧ ).
لاحظوا خاتمة هذه الآية، وليحلفنّ إن أردنا إلاّ الحسنى، بوضعهم لقانون المساجد، ويشهد الله إنّهم لكاذبون.
Ø     خامسا : وضع جنود بورقيبة مهزلة أخرى أطلقوا عليها إسم "الميثاق الوطني"، الذي طبّلوا له وهلّلوا مدّعين أنّه سوف يكون ثمرة "كلّ العائلات الفكريّة والتّيّارات السياسيّة والاجتماعيّة " ، ثمّ ظهر ميثاقهم معبّرا عن حلم الصهيونية والشّيطان الأكبر، وهو محاولة جديدة لاقتطاع تونس عن العالم الإسلامي تماما مثلما وقع اقتطاع اسبانيا الإسلامية، وصقليا الإسلامية في الماضي. حيث اعترفت إحدى المجلاّت المسبّحة بحمد  "التغيير" قائلة:
        "إنّ الميثاق الوطني مركّز على الماضي أكثر منه على الحاضر والمستقبل... كذلك هناك من استغرب الاكتفاء بذكر حنّبعل و يوغرطا كرمزين من رموز الهويّة التاريخيّة في الوقت الذي أغفلت فيه لشخصيات تونسية أخرى لعبت أدوارا متميّزة في تاريخ تونس منذ الفتح الإسلامي ... كما وقع نبذ العقوبات الجسديّة وهي المعروفة بالحدود في الشريعة الإسلامية، كما تمّ التّساؤل عن غياب التّنصيص على حرّية اللّباس خاصّة، وقد أصبح محلّ جدل وعقوبات قانونيّة تتعرّض لها لابسات الحجاب "( ٤)  .
        وليحلفنّ أن أردنا إلاّ الحسنى، بوضعهم لميثاقهم الشيطاني، ويشهد الله أنّهم لكاذبون، وكفى بالله شهيدا. 

الديمقراطية المرفوضة 
        إنّ الديمقراطية المفروضة علينا في تونس وفي بلدان أخرى في العالم الإسلامي لا تستحق البتّة أن نقف عندها إلاّ لاسترعاء انتباه القارئ إلى أنّها جاهلية بالمفهوم القرآني، تلك الجاهلية التي كانت سائدة قبيل بعثة الرسول (ص)، وأنّ هذه الديمقراطية تعترف بأنّها تضرب بجذورها في عصور غابرة هي العصور الفرعونية والبابلية والفارسية والقرطاجنية . . . ، وهي عصور جاهلية إلى أبعد حدّ .
       والذي يهمّنا حاليا في إطار بحثنا هو الديمقراطية المعهودة في الغرب، والتي حرمت على الشعوب الإسلامية لسبب واضح هو أنّه لو سمح بها فإنّ المسلمين سيجدون دون ريب ثغرة ينفذون منها لإخراج شعوبهم من قبضة سيطرة متعددة الوجوه. والمستفيدون من هذه السيطرة لن يسمحوا أبدا للحكّام بتطبيق هذه الديمقراطية في بلدانها . إذ أنّ ذلك سيشكّل خطرا عظيما جدّا على مصالحهم. الديمقراطية المعهودة في الغرب يرفض منحها للشعوب الإسلامية. ولهذا فإنّ الشعوب الإسلامية مقضي عليها بالاكتفاء بمحاكاة سخيفة لما يحدث في الغرب من قبيل: " الاستقلال – الديمقراطية – حقوق المواطن – حرية المرأة – حرية الصحافة – وما إلى ذلك " . وهي أسماء سمّوها ما أنزل الله بها  من سلطان، وقد أفرغت من محتوياتها ودسّت فيها مواد سامّة تشلّ حركة الشعوب التي أعدّت لها هذه الشعارات. فليدرك الصحافيون الأحرار أنّهم يستخدمون في خطّ النار في هذه الحرب المقنعة التي لم يسبق لها مثيل. وستبدي لنا الأيام ما كان خافيا. فليستيقظوا من نومهم قبل أن يفوت الأوان ، وقبل أن يسبق السيف العذل.

موقفنا الشرعي
        والأغرب من كلّ ما أوردناه هو موقف حركة الإتّجاه الإسلامي تجاه هذه الحرب المعلنة ضدّ الإسلام، وتاريخه، وشريعته ... ويا ليته كان موقف المتفرّج، المكتوف الأيدي، بل لم يكفهم اتّخاذ مواقف التّغازل مع النظام، فهم ما فتئوا يصرّون في محاولة بائسة لدفع المؤمنين حسب قولهم على " تفهّم الوضع" . وأخيرا ختموا مسيرتهم المؤلمة في أواخر جانفي 1989، بتغيير اسم جماعتهم بكل بساطة لتصبح "حركة النّهضة". وذلك استجابة لمقولة بن علي الشّهيرة في خطاب 2 فيفري 1988 : " لا مجال لتوظيف الدين في السياسة لا حاضرا ولا مستقبلا ". هذه المقولة التي جسّدها بن علي في قوانين "المساجد" و "الأحزاب" و "الميثاق الوطني" ، المفروضين عليه من وراء البحار.
        ونـحن ومنذ اليوم الذي انطلقت فيه كلمة الغنّوشي العجيبة: " ثقتنا في الله ، وفي السيّد الرئيس عظيمة..."، اكتفينا بتتبّع مسيرة هؤلاء الإخوة والتساؤل، بينما القلب ينزف دما ثمّ توجّهت مسيرتهم هذه بالتّسمية الجديدة للحركة، فوجدنا أنفسنا مضطرّين شرعيّا لاتّخاذ موقف واضح.
        هؤلاء الإخوة الذين ساندناهم ووقفنا معهم في كلّ المحن، بل غادرنا البلاد، إثر حملة الاعتقالات الأولى التي شنّها النظام البورقيبي ضدّهم، للدّفاع عنهم وعن المسلمين عامّة، وهم يعلمون ذلك، وهو واجب شرعيّ، كنّا نتتبّع مسيرتهم في الواقع منذ بداية تحرّكنا في سنة 1981 ، وكنّا نتألّم كثيرا من أجل أمور أخرى نخيّر أخذها للقبر معنا. ولزمنا الصّمت ولم نقصّر أبدا في الدّفاع عنهم أو في إيصال صرخاتهم، راجين الله سبحانه وتعالى أن يرشدهم . ولكن مع الأسف مضوا في طريقهم مبتعدين شيئا فشيئا عن المحور، ثمّ عن الجهاد وأخيرا عن الاسم الإسلامي للحركة.
        تتبّعنا هذه المسيرة المؤلمة، وكلّنا حبّ لهم، وهم يعلمون ذلك، إلى أن توّج تراجعهم الكلّي بعمليّة تغيير الإسم فأصبح الأمر لا يطاق، إنّ تسميتهم الجديدة توحي ظاهريّا بأنّهم تبنّوا النّهضة كمرجعيّة. هذه النّهضة التي طبخها الأعداء في بداية القرن في باريس ولندن لمواجهة حركة الإصلاح لجمال الدين الأفغاني، أي لمواجهة الإسلام. وهذه النّهضة، نادى بها أوّلا مسيحيّو الشّرق (بطرس البستاني وأديب إسحاق ... )! أجل، أصبح الأمر لا يطاق، فاتّخذها موقفا صريحا في 12 فيفري 1989 في محاضرة في بروكسيل ببلجيكا، إذ كان ذلك لأوّل مرّة وعكس ما روّجته الصّحف. ونسأل الله أن لا نضطرّ للرّجوع ثانية لهذا الموضوع المؤلم، وأن لا نضيع ولو لحظة واحدة في صراعات هامشية، بينما الأعداء يحيطون بنا من كل جانب وهم يتكالبون لإيجاد أيّ ثغرة يتسلّلون منها لشقّ صفّ المؤمنين.
      
        ونختم كلامنا بالتساؤل والإشارة إلى سرّ مفهوم الآية التالية من كتاب الله الحكيم.
        ألم يعلّمنا القرآن بأنّ الله سبحانه وتعالى لم يمكّن موسى (ع) وقومه من الانتقال إلى مرحلة البناء إلاّ بعدما أهلك فرعون وهامان وجنودهما ؟ .
       ﴿ وَلَقَد ءاتَينا موسَى الكِتٰبَ مِن بَعدِ ما أَهلَكنَا القُرونَ الأولىٰ بَصائِرَ لِلنّاسِ وَهُدًى وَرَحمَةً لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ *﴾( سورة القصص:الآية 43 وكذلك الآيات 5 و6 و39 و40)
        ألم يكن لبورقيبة هامان ؟ ألم يكن لبورقيبة جنود ؟.
        إنّه زمن للجهاد لزهق الباطل لا للبناء .
        إنّه زمن للتّضحيات لا للمغانم.
        إنّه زمن للوحدة لا للتفسّح.
       إنّه زمن للحكمة والبصيرة والتقوى لا"للتكتيك". "فأين تذهبون ... "!.
        والداعي لمزيد من الألم هي الأصوات التي تتعالى هنا وهناك باسم الإسلام، أصوات تدّعي بأنّ تونس قد دخلت في مرحلة جديدة، مرحلة ما يسمّى بالبناء. فهل انتهت مرحلة زهق الباطل يا ترى ؟ أنّ فرعون تونس، بورقيبة، قد أهلكه الله وأنجاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية، ولكن هل يعني ذلك أنّ الباطل قد زهق ؟ ألم يعلّمنا القرآن الكريم بأنّ فرعون كان له جنود، وأنّ فرعون كان له هامان (وزيره الكبير) ؟ ألم يعلّمنا القرآن الكريم بأنّ الله سبحانه وتعالى لم يمكّن موسى (ع) وقومه من الانتقال إلى مرحلة البناء إلاّ بعد ما أهلك فرعون وهامان وجنودهما.
        إنّ الدخول السليم لمرحلة البناء لا يمكن إلاّ بعد مرحلة زهق الباطل واجتثاثه من جذور كلّ أنواع الشّرك. والبناء الصّلب الوحيد يجب أن يبنى على أساس القرآن ويقوم على أيدي المؤمنين الخلّص. وذلك هو سرّ هلاك فرعون وهامان وجنودهما، ولو لم يهلكهم الله جميعا لودّوا أن يدهن موسى (ع) كما قال جلّ جلاله: ﴿ وَدّوا لَو تُدهِنُ فَيُدهِنونَ *﴾ ( سورة القلم : الآية ۹ )  ، أي لاختلطت الأيادي في مرحلة البناء، ولظهر الإسلام في زيّ فرعوني كما هو الحال في عصرنا هذا، حيث بدأ يبرز هنا وهناك "إسلام أمريكي" لمحاولة امتصاص الإسلام المحمّدي من الجذور.
        فلنكن واعين، ولنتحرّك أفرادا وجماعات، وليكن هدفنا ابتغاء مرضاته وحده سبحانه وتعالى، وألا نترك الأنانيّة الفرديّة تطغى علينا، وألا نترك الأنانيّة الحزبيّة تطغى علينا، وألا نترك الأنانيّة القوميّة تطغى علينا، تلك هي الشروط العباديّة التي نثبّت بها أنفسنا وأقدامنا في طريق المسيرة المحمديّة المباركة وكلّنا حبّا للمؤمنين بالله ورسوله في مشارق الأرض ومغاربها. نعم، وألف نعم للتكتّل الجماعي وللتنظيم الحزبي إذا كان يعني انفتاحا واسعا لا تحدّه إلاّ حدود الله، وإذا كان يهدف تقوية جبهة الإسلام الواسعة بالدّخول كالبنيان المرصوص في المعركة المصيريّة التي تدور رحاها اليوم في كلّ مكان من عالمنا الإسلامي المقهور.
        لا، وألف لا للتكتّل الجماعي وللتّنظيم الحزبي المحدود بحدود ما جاء اللّه بها من سلطان، والذي نشاهده اليوم يترعرع هنا وهناك وهو بمثابة دويلات في عالم الدّويلات التي فرضها الأعداء علينا بالنّار والحيل الشّيطانيّة، وحيث يصبح المعيار الأساسي والعياذ بالله: الانتماء أو عدم الانتماء للحزب الفلاني بينما علّمنا الله ورسوله (ص) أنّ المعيار الإسلامي العبادي  الوحيد هو : التّقوى، فلنقترب من المجاهد التقيّ وإن لم يكن من بني جلدتنا أو من بني حزبنا أو من بني مذهبنا أو من بني لغتنا، ذاك هو الشرط العبادي والأساسي لكلّ عمل إسلامي بنّاء. وبعبارة أخرى نقول بأنّ واجبنا العبادي يفرض علينا معرفة الرّجال بالحقّ وليس معرفة الحقّ بالرّجال.

أيّ بناء تنوونه أيّها الإخوة وأيّتها الأخوات في الله ؟
        ألم يكن لبورقيبة هامان ؟ ألم يكن لبورقيبة جنود ؟ وكلّنا يعرف الجواب. أين هم جنود بورقيبة وهامانه ؟ وكلّنا يعرف الجواب. ﴿ إنّا لله وإنّا إليه راجعون ﴾ . إنّ مرحلة البناء خطيرة جدّا ، وتتطلّب  قاعدة إيمانيّة صلبة لا مكان فيها لاختلاط الأيادي، لا مكان فيها لدهن ممسوخ . ألم يعلّمنا القرآن الكريم أنّ قوم موسى (ع) سرعان ما انسلخوا من عبادة الله إلى عبادة الذهب الذي أذابوه بأيديهم وصاغوا منه شبه عجل ثمّ خرّوا له سجّدا، وكان هذا الشّرك الشّنيع بعد ما أهلك الله فرعون وهامان وجنودهما ؟ إنّه لتأكيد واضح على وجوب وجود قاعدة إيمانية خالصة من رواسب الجاهليّة، للدخول في مرحلة البناء بدون أيّ نوع من أنواع الشّرك.
        وبعبارة أخرى، فبالرّغم من هلاك فرعون وهامان وجنودهما لقد ظهر بناء قوم موسى (ع) شركا ممسوخا، وذلك نتيجة رواسب الجاهليّة في عقول كثير من الذين آمنوا بالله وبرسالة موسى (ع)، فما بالكم أنتم اليوم تنوون البناء وجنود بورقيبة لازالت متربّعة على كراسيّ الحكم في البلاد،   ﴿فَأَينَ تَذهَبونَ * إِن هُوَ إِلّا ذِكرٌ لِلعٰلَمينَ *﴾ (سورة التكوير : الآيتان ٢٦ - ٢٧ ).

(من كتاب "تونس في مواجهة التّضليل"، دار الروضة، بيروت، 1989)


عبد المجيد  الزّمزمي حاملا آلام وجراح تونس

في تجمع جما هيري اسلامي في تركيا

 



بعد رحيل حكومة السّبسي وذلك قبل  الإنتخابات وهو أمر ضروريّ، ما العمل ؟

المطلوب حكومة مؤقتة خا لية من رجالات العهد البائد. و المطلوب هيئة تتكون من  شرفاء  مشهود لهم  بالوطنية، و رفضوا  نظام  بن علي  طيلة  فترة  حكمه  و رفضوا قبله  حكم  بورقيبة، و ممثلي الجهات التي لعبت الدور الأبرز  في  إسقاط الديكتاتورية  … 
(اقرأ موقفنا في  31/03/2011              
  واقرأ  كذلك في صفحة 1 المطلوب هو  التطهير     .(